بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة قصص من كتب التفاسير
رسالة
الرأي الأولى في تفسير قوله تعالى (عبس وتولى)
وبيان حقيقة قصة النبي مع الصحابي ابن مكتوم
(الفصل الخامس)
#- فهرس:
:: الفصل الخامس :: عن أن الأعمى لم ينادى على النبي طالبا منه الإرشاد الديني – هل عدم رد النبي على الأعمى يخالف
كونه رؤوف رحيم وذو خلق عظيم ؟ ::
1- س11: هل جاء الأعمى للنبي ونادى عليه طالبا
منه الإرشاد الديني أو التعليم أو تفهيمه آية من القرآن ؟
2- س12: هل انشغال النبي عن الأعمى مخالف لكون النبي بالمؤمنين رؤوف رحيم ولكونه ذو خلق عظيم ولكونه مأمورا بخفض جناحه للمؤمنين ؟
#- أولا: النبي لم يعبس في وجه
الأعمى ولم يتولى عنه بمعنى أعرض عنه بجسمه وأعطاه قفاه ورحل .. !!
#- ثانيا: أما عن قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم:4 ..
#- ثالثا: أما عن قوله تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران:159.
# رابعا: أما عن قوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ
اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الشعراء:255.
#- خامسا: أما عن قوله (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة:128.
3- س13: هل النبي تجاهل الأعمى حينما جاءه ؟
*****************
:: الفصل الخامس
::
*****************
..:: س11: هل جاء الأعمى للنبي ونادى عليه طالبا منه الإرشاد الديني أو التعليم أو تفهيمه
آية من القرآن ؟ ::..
- جاءت بعض
الروايات .. أن ابن أم مكتوم حينما جاء
عند النبي طلب من النبي أن يأذن له ليقترب من الدخول إليه ومجالسته وكان يستقريء
آية أي يقرأ آية ويريد أن يفهمها .. ورواية قالت بأن نادى على النبي طالبا منه
الإسترشاد .. ورواية أخرى قالت أنه نادى طالبا للتعليم قائلا للنبي: (علمني مما علمك الله) ..
#- ملحوظة: بالرغم
من أن أسانيد هذه الروايات التي أتى فيها هذه الألفاظ كلها ضعيفة أو ضعيفة جدا أو
باطلة .. إلا أن البعض يجعلها جزء من قصة الأعمى مع النبي .. في حين أن الأسانيد
ليست فقط باطلة وإنما هذه الجزئية في المتن وهي مناداة الاعمى على النبي بقوله
(علمني مما علمك الله) .. يستحيل أن تصح .. ليه ؟
- تعال معايا وهتعرف.. ما
أظنه لم يخطر على بال أحد.
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- على افتراض صحة قصة الأعمى مع النبي .. فلا يمكن أن تصح جزئية
(أرشدني) أو (علمني مما علمك الله) وما شابه ذلك .. بل هي من اختراعات الرواة
وتصوراتهم الخاصة باحتمال ما يمكن أن يكون قاله الأعمى من وجهة نظر الرواة ..،
ولذلك متن الروايات التي قالت بهذه الأجزاء (وبغض النظر عن ضعف أسانيد هذه
الرويات) ولكن المتن لا يصح بهذه الألفاظ السابق ذكرها مثل (أرشدني) و (علمني) ..
@- ولكن ليه لا يمكن صحة هذه الألفاظ
؟
#- تعال أقولك
ليه لا يمكن أن تصح:
1- لأن الله جل شأنه قال: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ
يَزَّكَّى) عبس:1-3 ..، فقوله
(وما يدريك) فيه دلالة على أن النبي كان محتمل
عنده أنه أتاه لمجرد السؤال عنه أو للمؤانسة بالكلام معه .. وإلا ما كان الله
أخبره وقال له (وما يدريك) .. فكأنه خطر على بال
النبي ظن أن مجيئه للحضور إنما للمؤانسة بالكلام مع النبي أو لشكوى سيذكرها له ولم
يخطر ببال النبي انه أتاه ليزكى أو ليذكر .. ولذلك عاتبه الله بقوله (وما يدريك) .. فعلمنا من ذلك أن النبي ظن من حضوره شيئا
خلاف التزكية والتذكر .. ولذلك صحح له القرآن ظنه بأن مجيئ الأعمى كان على خلاف ما
هو ظنه ..
2- ولو كان الأعمى نادى
النبي وقال له: (علمني مما علمك الله) كما زعم
الرواه .. فيكون قد علم النبي مقصده من الأعمى .. وما كان الله ليعاتبه وفي عتابه
يخبره بقوله (وما يدريك) للدلالة على أن النبي لم
يكن يعلم بمقصد حضور الأعمى .. بل وقد ظن النبي أن سبب مجيئه لسبب آخر غير التوجيه
الديني .. ولذلك عاتبه الله وكأنه قال له: ولماذا لا يكون مجيئه لك لأنه أراد أن
يرتقي بإيمانه من خلال سؤالك عن أمر ما في الدين ؟!!
#- وهذا شيء أحسب أنه لم ينتبه إلى هذه الجزئية السادة
العلماء .. والله أعلم.
3- ولذلك لا يمكن أن
يصح أوهام الرواه .. فيما ذكروه عن مناداة الأعمى على
النبي بقوله له (علمني مما علمك الله) .. لأن
الله أنكر على نبيه عدم معرفته بسبب مجيء الأعمى إليه .. وغلب على ظنه أن مجيء
الأعمى إنما كان لسبب آخر غير التزكية الدينية ..
4- وبالتالي كل من يستغرب فيقول:
كيف أن
النبي لم يستجب للأعمى وتجاهله وقد طلب منه أن يعلمه الإيمان ليتزكى به
..؟!! فالسؤال باطل أصلا بنسبة مائة في
المائة .. لأنه لم يحدث هذا في القصة من أساسه .. بل والقرآن يبطله .. لأن النبي لم يعلم سبب إتيان الأعمى
إليه من أساسه .. والنص القرآني يكشف بطلان هذه الجزئية في القصة ..
- والله أعلم.
********************
..:: س12: هل انشغال النبي عن الأعمى مخالف لكون النبي بالمؤمنين رؤوف رحيم ولكونه ذو خلق عظيم
ولكونه مأمورا بخفض جناحه للمؤمنين ؟ ::..
- بعض المحبين للنبي .. حينما يقرأ قوله
(عبس وتولى) ويقرأ بعض من تفاسير العلماء ..
فيسرع بالهجوم مدافعا عن النبي فيقول:
- كيف يكون هذا رد فعل النبي مع الأعمى .. وهو الموصوف في القرآن بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم:4 .. بل ما كان حبيب
الله فظا إذ قال تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ
لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران:159.
- بل أن الله قد أمره بقوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ
اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الشعراء:255.
#- فإذا كانت هذه أوصاف النبي وما هو مأمور به مع المؤمنين .. فكيف يمكن أن يكون قوله
(عبس وتولى) من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
#- أولا: النبي لم يعبس في وجه الأعمى ولم
يتولى عنه بمعنى أعرض عنه بجسمه وأعطاه قفاه ورحل .. !!
- سبق الكلام عن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعبس في
وجه الأعمى .. فهذا كلام باطل ولا وجود
له إلا في وهم من ظن صحة رواية باطلة قالت بذلك ..، وسبق وذكرت هذا الكلام من قبل
فلا داعي لتكراره ..
- أما عن مسألة التولى عن الأعمى .. بمعنى أن النبي أعرض عنه بإعطاءه ظهره وتركه ورحل عنه .. فهذا لم يحدث أيضا
ولا وجود له .. وكيف يحدث هذا وهو لم يقابله أصلا ..!!
- وسيأتي بحث خاص في لفظ (تولى) .. في سؤال منفرد إن شاء الله .. وستفهم منه أن
التولي قد يكون بالجسم أو بالسمع ..، وأن التولي قد لا يكون المقصود به تولي النبي
عن الأعمى ..!!
#- ثانيا: أما عن قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم:4 ..
1- دعني أوضح لك أن
الإستدلال بقوله (وإنك لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .. لا يعيب النبي صلى الله عليه وسلم في كونه
المقصود بعبس وتولى .. لأن اعتقادك أصلا في معنى العبوس والتولي هو باطل .. لأنك تظن أن النبي عبس ف وجه الأعمى وأعرض عنه بأن أعطاه ظهره وتركه ورحل
عنه .. وهذا كله لم يحدث أصلا ..!!
- أما عن كون
الآيات فيها عتاب للنبي .. فالعتاب لا نقيصة فيه بين الأحباب .. لأنه يكون عتاب عن فعل بخلاف ما كان
الأولى فعله .. وليس عتاب عن معصية فعلها النبي ..!!
- والعتاب جزء من إكمال الخلق العظيم للنبي صلى الله
عليه وسلم .. إذ أن النبي كان يكتسب هذا الخلق العظيم من القرآن ..
- وهذه الآية نزلت بعد
سورة عبس في النزول .. وليس قبلها .. فانتبه.
2- لكن ليه قلت لك: أن العتاب جزء من إكمال
الخلق العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم .. لأن النبي كان خلقه القرآن .. ومن المهم
أن أوضح لك المقصد من الخلق العظيم ومصدره .. في السطور التالية:
أ- قال الإمام أبو منصور الماتريدي (المتوفى: 333هـ):
- خلقه العظيم: هو القرآن ..
ومعناه ما أدبه القرآن .. وذلك كقوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) .. وكقوله: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
السَّيِّئَةَ) .. وكقوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ
لِلْمُؤْمِنِينَ) .. فأخذه بالعفو وأمره بالعرف، وإعراضه عن الجاهلين،
ودفعه السيئة بالتي هي أحسن، وخفضه الجناح للمؤمنين - من أعظم الخُلُق. وتخلق بهذا
كله بما أدبه القرآن، واللَّه أعلم. (تفسير الماتريدي – تأويلات اهل السنة – ج10 ص136).
ب- قال الإمام أبو
الحسن الماوردي رحمه الله (المتوفى: 450هـ):
- حقيقة الخلُق في اللغة: هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من
الآداب سمي خلقاً لأنه يصير كالخلقة فيه .. فأما ما طبع عليه من الآداب فهو الخِيم
فيكون الخلق الطبع المتكلف .. والخِيم هو الطبع الغريزي. (تفسير الماوردي ج6 ص61).
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. توضيحا لما ذكره الإمام الماوردي:
- قوله (الخِيم) بكسر الخاء: هو أصل الخُلق .. والمقصد به ما هو طبع أصيل في
الإنسان مخلوق به .. ولكن الأخلاق يظل الإنسان يكتسب منها بقدر استطاعته في محاولة
للوصول إلى تزكية القلب والعقل لأقصى ما يمكن حتى تنكشف له من حقائق الوجود
كالحكمة .. ثم يديم على تحقيق هذه الصفات الأخلاقية حتى تصبح وكأنها مخلوقة فيه
وجزء من تكوينه النفسي لا ينفصل عنه.
- وحينما تنظر لقوله (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) في سورة القلم .. وهي من أواخر ما نزل على النبي قبل هجرته
لمدينة أي نزلت قرابه العام الثاني عشر للبعثة .. فالمقصد من هذه الآية عند
العلماء هو ما أكتسبه النبي صلى الله عليه وسلم من توجيهات الله له في القرآن ..
فتأدب بآداب القرآن .. حتى من شدة اتباعه لهذه الآداب القرآنية وأصبحت وكأنها طبع
مخلوق فيه .. فقد أتى الله بلفظ (على) الذي
يفيد الإستعلاء .. وكأن النبي تمكن من هذه الأخلاق كتمكين الفارس من ركوب فرسه ..
وكأنه مستحق له هذه الأخلاق لأنه صدق في اكتسابها والتحقق بها.
ج- ومن جميل ما ذكره الإمام القشيري (المتوفى: 465هـ) إذ قال رحمه الله:
- ويقال: (لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ): لا بالبلاء تنحرف .. ولا بالعطاء
تنصرف.
- احتمل صلوات الله عليه في الأذى شجّ رأسه
وثغره .. وكان يقول: (اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون).
- وغدا كلّ يقول: (نفسي نفسي) .. وهو صلوات الله عليه يقول: (أمتي أمتي).
- ويقال: علّمه محاسن الأخلاق بقوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) الأعراف:199. (تفسير القشيري ج3 ص317).
- قوله (وغدا): يقصد به يوم القيامة يقصد الناس الأنبياء أن يتوسلوا لربهم أن يبدأ الحساب
ولكن كل نبي يقول (نفسي نفسي) .. إلا النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: (أمتي أمتي).
#- وفي باب الأدب دائما يأت
حديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبي)
رواه ابن عساكر .. والحديث ضعيف السند .. إلا أن معناه صحيح.
#- إذن: خلاصة ما سبق: أن النبي يكتسب الأخلاق
العظيمة من توجيهات الله له .. فكانت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم كلها أخلاق
قرآنية .. والعتاب للنبي من جملة الإرتقاء في كمالات الأخلاق من الله .. وإذا كان
الله وصف الخلق النبي بالعظيم .. فهذا وصف ما أحسبه قد ذُكر في وصف أخلاق الملائكة
ولا أي نبي أو رسول ..
- والله أعلم.
#- ثالثا: أما عن قوله تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ
فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران:159.
- نحدد أولا معاني الألفاظ في الآية .. لنرى
هل فعلا ظهرت في قصة الأعمى:
1- الفظاظة: هي خشونة في التعامل قد تكون في القول أو
الفعل .. فخشونة القول تظهر من خلال الكلام بجفاء وحَدِّة .. وقد تكون الفظاظة في
الفعل من خلال إشارات قبيحة يفعلها بيده كطرده الناس بإشارة كف يده أو دفعهم باليد
بأسلوب غير لائق .. أو ما شابه ذلك.
2- غلظة القلب: هي القسوة التي بسببها لا تظهر فيه أثر
الرحمة لأحد .. وكأن غلظة القلب تصنع حجاب عن روح الرحمة في قلب الإنسان.
#- الآن نقول: هل تعامل النبي مع الأعمى بفظاظة ؟
- بكل تأكيد .. لا .. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقابل
الأعمى أصلا .. فكيف تحكم على أن النبي عامل الأعمى بفظاظة ثم تستدل بهذه الآية
السابقة ؟!!
- عجبا ..!!
3- هذه الآية فيها من تعليم الله للنبي من
كمالات الأخلاق .. ما هو صعب جدا تحقيقه إلا معه صلى الله عليه وسلم .. إذ قال
تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران:159 ..
- وهذه الآية نزلت بعد ما حدث في معركة أحد .. وقد
تمت مخالفة أمر النبي في المعركة وتم أصابته صلى الله عليه وسلم .. فأرشده الله أن
يستخدم معهم الحقيقة الرحيمية التي هي من طبيعته .. حتى طلب منه العفو لهم من نفسه
أي لا يترك لهم أي أثر في نفسيته حتى العتاب لا يوجد له أثر في نفسه .. بل ويطلب
لهم الغفران من الله .. ويشاورهم فيما هو آت وكأن ما حدث من عصيانهم له كأنه ما
كان ..
- وهذا التوجيه الإلهي للنبي .. لا يقوي عليه إلا من أعطاه الله سلطان على
نفسه .. حتى يكون في نفسه القدرة على محو الإساءة من نفسه وكأنها ما كانت .. بمجرد
أن يرغب في ذلك ..!!
@- وفي الآية إشارة مخفية لحقيقة
بعض النفوس: حيث أن القرآن نسب الفظاظة والغلطة للإنسان .. فهي ليست طبع .. وإنما يظهر
أنها منهج اختيار .. وأنه يمكنه أن يتراجع عن ذلك .. ولكن البعض قد يستخدم هذا
الأسلوب كمنهج حياة له ليحقق من وراءه أسلوب حياته الخاصة بأذية من حوله نفسيا حتى
يجعلهم ينفروا منه وينفرد هو بما يريده لنفسه ..
- والله أعلم.
# رابعا: أما عن قوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الشعراء:255.
- ما هو خفض الجناح ؟
- هو أن يكون متواضعا ولين في الكلام مع المؤمنين ..
- فهل كان النبي متعجرفا مع الأعمى أو مسيء إليه ..؟
- لا .. لم يحدث .. لأنه لم يقابله أصلا ..
- إذن: ما علاقة الإستدلال بهذه الآية لإنكار الرأي على أن الذي عبس وتولى هو
النبي ؟!!
#- خامسا: أما عن قوله (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
التوبة:128 ..
- نعم هو بالمؤمنين رؤوف رحيم .. ولكن
ما هو مفهومك عن الرأفة والرحمة ؟
- الرأفة: معناها التخفيف والتيسير على الغير ودفع المضار عنه .. أي نوعا من المساعدة
لرفع المشقة عنه.
- والرحمة: هي الإحسان والإنعام
سواء بدفع المضار عنه أو بجلب المنفعة له بلا مقابل ..
- فالرحمة عامة .. والرأفة خصوصية رحمة.
- فالنبي صلى الله عليه وسلم .. كان رؤوفا بالمؤمنين
فدعا ربه لتخفيف الصلوات من خمسين لخمسة .. ويعفو لهم زلاتهم معه كما عفا عنهم
عصيان بعضهم لأمره في موقعة أُحد .. بل ويرجو لهم الرحمة من ربهم بتجلي الله على
أمته بحصول الغفران للمنع من النيران وحصول
الرضوان بدخول الجنة .. وإذا كان يوم القيامة الأنبياء جميعهم يقولون نفسي نفسي فهو
الوحيد الذي يجهر أمام الله فيقول: أمتي أمتي .. بل ومن رأفة النبي على بعض أمته أن
قال: (شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ من أمتي)
رواه أبوداود والترمذي بسند صحيح.
#- وخلاصة
القول: ما علاقة هذه الآية بقصة
الأعمى الذي أتى طالبا الدخول على النبي ومعه شخص يكلمه .. ولم يسمح النبي له بذلك
لانشغاله بمحاولة تليين قلب من يجلس أمامه ليؤمن ؟!!
- والغريب من الناس .. أنه حينما ينتهك أحد
خصوصيتهم بزيارة مفاجئة .. ينزعجون ويقولون لك: ولماذا أتيت بغير موعد ؟!!
- وقد يقال لك: ولكن هذا نبي عظيم
الأخلاق ؟
- فأقول له: وهل لأنه نبي ذو خلق
عظيم تستبيح خصوصياته وترغب في مجالسته دون استأذان منه واحترام خصوصياته ؟!!
- ما لكم كيف تحكمون .. إذا كان الله يقول: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا
فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) النور:28 ..!!
- والغريب من البعض .. أنهم يفهمون معاني صفات على مزاجهم الخاص ثم يحتجون بها لإثبات ما جاء
لمزاجهم الخاص .. ويقولون هذه الصفة للرسول كما اتفق ومزاجهم !!
- بقى ده كلام ؟!!
- يعني صنعوا للنبي معاني لا
تحملها الأوصاف الخاصة به .. وارتقوا به عن بشريته وكأن بشريته ليست جزء من نبوته
..!! فزادوا معاني على الصفات الموصوف بها لأنهم أرادوه أن يكون هكذا .. فإن لم
يصبح هكذا ولم يجدوه هكذا في النصوص فهذه النصوص باطلة أو من يقول بذلك فهو معتدي
على النبي ..!!
- فهذا يذكرني بمن يقول لك: كيف يكون الله رحمن رحيم وأرحم الراحمين ولا يرفع البلاء والمرض عن الناس
؟!! إذن: فهو ليس إله رحيم ..!!
- وكأن الرحمن الرحيم الذي هو أرحم الراحمين .. ليس من أوصافه أنه المانع الضار القابض الخاض المذل المنتقم .. وليس هو
المدبر الحكيم .. !!
- فأرادوا إلها على مزاجهم الخاص وكما يحلو لهم .. فإذا لم يكن كذلك .. فهذا ليس إله ..!!
- عجبا .. لهذه النفوس ..!!
#- خلاصة القول:
- لماذا نصنع نبيا منعزلا عن بشريته .. ويقال أن ذلك من باب العصمة ؟!! إذا كانت العصمة حددها الله جل شأنه وهي
عصمته في حجب أي إنسان عن أن يمنعه عن أداء رسالته مهما حاول .. وكذلك عصمته من
الشيطان .. وكذلك عصمته من فعل الكبائر والبعض قال حتى اللمم وهو صغار الذنوب .. ولكن
أين قيل بعصمة النبي من الخطأ ؟!! وكأن البعض يتعمد إظهار الخطأ بأنه خطيئة ليعترض
..!! بل ولعل البعض يظن أن الخطأ هو خطأ في تبليغ الدعوة وهذا حينئذ لم يفهم
العصمة أصلا .. إذ ما علاقة التبليغ المعصوم فيه بأنه وحي يوحى .. بالخطأ من حيث
الإجتهاد بما هو أولى أو بالخطأ من حيث كونه مجرد رأي في مسألة لا علاقة لها
بالدين ؟!!
- عجبا ..!!
*********************
..:: س13: هل النبي
تجاهل الأعمى حينما جاءه ؟ ::..
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أرى في نفس
البعض على الإنترنت .. أنه يظن أن النبي تجاهل
الأعمى حينما جاءه .. في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتجاهله لأنه لم
يقابله .. فكيف يتجاهله ؟!! وإعراض النبي عن نداء الاعمى ليس تجاهل وإنما إنشغال
بغيره لفعل ما ظنه صواب حسب رسالته كونه نذيرا للناس ..!!
- من
المحزن أن تجد على الإنترنت .. البعض يُصر على أن يخترع
أو يتصور ما لا وجود له في
القصة أصلا ..!!
- ليه كده ..!!
- بل ولعل
البعض .. لا يستطيع التمييز بين
تجاهل الذات وتجاهل النداء .. وحكم الإستئذان .. فهذه حينئذ مشكلة تتعلق بالشخص
نفسه سواء في علمه أو عقله ..!!
- إذ أن
تجاهل الذات: هو أن يقابلك أحد
فتتجاهله وتعطيه قفاك أو تراه بعينك وجها لوجه وتتجاهله وكأنك لم تراه ..
- أما عن تجاهل النداء: فهذا قد يكون له أسباب
خاصة بمن فعل ذلك ..
- ولو كان
النداء خاص بالإستئذان .. فالإستئذان له حكمه الخاص .. وعدم إجابة النبي للنداء لم يصفه الله
بالتجاهل .. وإنما وصفه بالتلهي وهو الإنشغال بما هو معه .. إذ قال: (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) عبس:10 .. لأنه انشغل عن إجابة نداء الأعمى
باستمرار محادثته مع الذي كان يحادثة في الإيمان ..
#- وخلاصة القول:
1- من
العيب أن يفترض أحد في القصة ما
لا وجود له .. ويتجاهل ما قاله الله
وكأنك لم يقرأ قوله تعالى (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) عبس:10..، ولو كان التهلي بمعنى التجاهل كما توهم .. فمعنى وصف النبي بالتجاهل لكان
النبي موصوف بالظلم .. لتعمد الجهالة .. وحاشاه صلى الله عليه وسلم عما قاله
الجاهلون ..!!
2- بل ومصيبة أن يظن البعض: أن النبي أعرض عن الأعمى
تحقيرا له ..!!
- فهل النبي أعرض عن الأعمى منشغلا بغيره أم تحقيرا للأعمى ؟
- أكيد
منشغلا بغيره حسب نص القرآن .. (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) عبس:10.. أي تلهي بغيره.
- إذن: لماذا تريد إظهار النبي وكأنه تجاهل الأعمى تحقيرا له .. والقرآن لم يقل
بذلك .. بل ولا وجود له في القصة إلا في بعض روايات سبق وذكرنا أنها باطلة ولم يقل
بها النبي أصلا ؟!!
- فاتقي الله
في نفسك يا هذا .. وتأدب بالقرآن .. ولا تجعل الإنفعالات تذهب بك إلى طريق يترتب عليه فتنة لك
ولغيرك.
- وأيضا
لازلت أقول أن كل ما سبق .. هو على افتراض أن الذي
عبس وتولى هو النبي صلى الله عليه وسلم.
#- انتبه
أخي الحبيب .. فليس كل ما تقرأه على
الإنترنت حقيقي أو صائب وإن كان محتمل ذلك .. ولكن لا تنسى أنه قد يكون من يكتب
عنده قصور في علمه أو عقله خاصة في فهم الأمور الدينية ..!!
#- وهذا أوان عرض ما ذكره بعض العلماء
من تعقيب على قصة الأعمى .. ما بين معترض ومؤيد .. ونبحث
عن الصواب بين هذا وذاك .. والله ولي التوفيق.
معاني عميقة تستحق الوقوف عليها والاهتمام بها .. زادك الله علما وحكمة استاذنا الفاضل .. اللهم آمين يارب العالمين
ردحذفجزاك الله كل خير استاذنا الفاضل
ردحذفمن جميل ما قرأت (رسالة النبى الأمي) استاذ خالد ابو عوف
ردحذف1.. إذا أردت أن تفسر القرآن ..يجب أن نفرق بين محمد البشري .. وبين سيدنا محمد النبي ..!! .. فلا بد أن تنظر لأمية النبي من حيث نبوته وليس من حيث بشريته
2.. فبعض العلماء ذهبوا في وصفهم (للأمى) كوصف ذاتى للنبى دون أن ينظروا إليه إلى أنه وصف تابع للنبوة .. وليس وصف للطبيعة البشرية ..
3.. (الأمية النبوية) .. جاءت وصف تابع للنبوة .. يعنى أمية تلقي (أى مصدر وأصل) يتلقى منه حقيقة نبوته .. (وهو الله سبحانه وتعالى) .. فهذا هو مصدر وأصل نبوة أو نبؤة النبي .. حقا وصدقا ويقينا ..
4.. وبطريقة ابسط وأيسر للفهم .. أن أمية النبوة تحمل معنيين :
أ.. تدل على أصل مصدر نبوته (أمية نبوة) أو (أمية تلقي)
ب.. تدل على أنه أصل واجب اتباعه (أمية قصد) أو (أمية اتباع)
5.. لذلك وصفه القرآن (الأمي) ولم يقل (أمي) .. قال تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) الأعراف 157 .. ووجود (الالف واللام) تدل على شمولية الأمية وإحاطته بها .. أي المتلقي عن مولاه الرسالة الخاتمة النقية البيضاء .
6.. قال تعالى (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) النمل 6 .. وقال النبي (والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية) .. أى رسالة الله .. وقال (انا خاتم النبيين لا نبي بعدي) .. وهنا تستطيع فهم حديث (إنى لستُ كهيئتكم إنى أبيت عند ربي يطعمني ويسقين) .. لأنه يُسقى ويُطعم من أصله الاعلى .. الولى المولى .. سبحانه وتعالى .. وكل انسان بقدر محبته للنبي وتوقيره له .. بقدر ما سيرى من معنى الأمي ..!!
7.. لذلك يسعى خلفاء الأنبياء وأوليائهم في الوصول لهذه الدرجة الأمية .. قدر استطاعتهم من خلال التزكية وصولا للقلب السليم والعقل الحكيم والروح الحق ..!!
8.. فاتباعك لأمية النبي تسمو بك إلى ..
أ.. (أمية قلبية) .. وهى رجوع القلب لأصله لمشاهدة الحق .. والمشار إليها بالقلب السليم
ب.. (أمية روحية) .. وهي رجوع الروح لاصلها طلبا للمكاشفة الروحية (الست بربكم) .. والمشار إليها (كل إنسان يولد على الفطرة)
ج.. (أمية عقلية) .. وهى رجوع العقل لأصله للتميز بين الحق والباطل والتفكر الدائم في الحق لا غير
لذلك كان الاعتقاد في الأمية النبوية أمر لازم لاستمداد النبي من مولاه لا من غيره .. ولذلك لما استمد النبي من مولاه كان على صراط مستقيم .. ولما ثبت عليه كان هاديا لمن يسلك هذا الصراط .. ولمَّا كان هو المرشد الهادي للصراط وعلى الصراط .. كان لا بد من أتباعه في الأقوال والافعال .. لتصل إلى أصل كل طهارة في ذاتك (قلبا وعقلا وروحا) .. ولا سبيل غير هذا أبدا
انتهى النقل مقتطفات ملخصة .. من الجزء الثاني .. رسالة معنى (النبي الأمي)
والله ولي التوفيق
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم